فصل: تفسير الآية رقم (98):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (82):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [82].
{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} أي: تاب عما كان فيه من كفر أو شرك أو معصية أو نفاق، وعمل صالحاً بجوارحه، ثم اهتدى، أي: استقام وثبت على الهدى المذكور. وهو التوبة والإِيمان والعمل الصالح. ونحوه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت: 30] و[الأحقاف: 13]، وفي الآية ترغيب لمن وقع في وهدة الطغيان، ببيان المخرج له منه، كي لا ييأس. وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (83):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى} [83].
{وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى} أي: أي: شيء عجّل بك عنهم، على سبيل الإنكار، وكان قد مضى معه النقباء الذين اختارهم من قومه إلى الطور، على الموعد المضروب، ثم تقدمهم شوقاً إلى كلام ربه ورضاه.

.تفسير الآية رقم (84):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [84].
{قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي} أي: قادمون ينزلون بالطور، وإِنما سبقتهم بما ظننت أنه خير. ولذا قال: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} أي: عني، بمسارعتي إلى الامتثال بأمرك. واعتنائي بالوفاء بعهدك. وزيادة رَبِّ لمزيد الضراعة والابتهال، رغبةً في قبول العذر. أفاده أبو السعود.
فإِن قيل: كان مقتضى جواب السؤال من موسى أن يقول: طلب زيادة رضاك أو الشوقُ إلى كلامك، فالجوابُ. أن هذا من الغفلة عن سرِّ الإنكار. وذلك لأن الإنكار بالذات إنما هو للبعد والانفصال عنهم. فهو منصبّ على القيد. كما عرف في أمثاله. فالسؤال في المعنى عن الانفصال الذي يتضمنه أعجلك المتعدي بمن. وإنكار العجلة لأنها وسيلة له. فالجواب: {هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي}. وقوله: {وَعَجِلْتُ} إلخ تتميم. وقيل الجواب إنما هو قوله: {وَعَجِلْتُ} الخ، وما قبله تمهيد له.
وقال الناصر: إنما أراد الله بسؤاله عن سبب العجلة، وهو أعلم، أن يعلم موسى أدب السفر. وهو أنه ينبغي تأخُّرُ رئيس القوم عنهم في المسير، ليكون نظره محيطاً بطائفته، ونافذاً فيهم، ومهيمناً عليهم. وهذا المعنى لا يحصل في تقدمه عليهم، ألا ترى الله عزّ وجلّ كيف علم هذا الأدب، لوطا، فقال: {وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ} [الحجر: 65]، فأمره أن يكون أخيرهم. على أن موسى عليه السلام إنما أغفل هذا الأمر مبادرة إلى رضاء الله عزَّ وجلَّ، ومسارعة إلى الميعاد. وذلك شأن الموعود بما يسره، يود لو ركب إليه أجنحة الطير. ولا أسَرَّ من مواعدة الله تعالى له صلى الله عليه وسلم. انتهى.

.تفسير الآية رقم (85):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} [85].
{قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ} أي: ابتليناهم بعد ذهابك للمناجاة: {وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} يعني اليهوديّ الذي وسوس لهم أن يعبدوا عجلاً يتخذوه إلهاً، لما طالت عليهم غيبة موسى ويئسوا من رجوعه. والسامري في لغة العرب، بمعني اليهودي. وقد قال بالظن، من ادعى تسميته أو حاول تعيينه. وأما الطائفة السامرية الآن فهم فئة من اليهود في نابلس قليلة العدد تخالف بقية اليهود في جلّ عاداتها.
وقد تضمنت هذه الجملة- أعني إخباره تعالى لموسى بالفتنة- الأمر- برجوعه لقومه، وإصلاحه ما فسد من حالهم، كما قال تعالى:

.تفسير الآية رقم (86):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي} [86].
{فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً} أي: حزيناً: {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً} أي: بإنزال التوراة عليَّ، ورجوعي بها إليكم: {أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ} أي: زمان الإنجاز، أو مجيئي: {أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي} أي: وعدكم إياي بالثبات على ما أمرتكم به إلى أن أرجع من الميقات.

.تفسير الآيات (87- 88):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} [87- 88].
{قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} قرئ بالحركات الثلاث على الميم.
قال الزمخشري: أي: ما أخلفنا موعدك، بأن ملكنا أمرنا. أي: لو ملكنا أمرنا، وخلينا وراءنا، لما أخلفناه. ولكن غلبنا من جهة السامريّ وكيده: {وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا} بفتح الحاء مخففاً، وبضمها وكسر الميم مشدداً: {أَوْزَاراً} أي: أثقالاً وأحمالاً: {مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ} أي: من حلي القبط، قوم فرعون، وهو حليُّ نسائهم: {فَقَذَفْنَاهَا} أي: في النار لسكبها: {فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ} أي: كان إلقاؤه: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ} أي: من تلك الحليّ المذابة: {عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ} أي: صوت عجل. وقد قيل: إنه صار حيّاً، وخار كما يخور العجل. وقيل: لم تحلّه الحياة وإنما جعل فيه منافذ ومخارق، بحيث تدخل فيها الرياح فيخرج صوت يشبه صوت العجل. أفاده الرازي.
وقوله: {فَقَالُوا} أي: السامريُّ ومن افتتنوا به: {هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} أي: غفل عنه وذهب يطلبه في الطور. ثم أنكر تعالى على من ضل بهذا العجل وأضل. مسفهاً لهم فيما أقدموا عليه، مما لا يشتبه بطلانه على أحد، بقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (89):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً} [89].
{أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ} أي: العجل: {إِلَيْهِمْ قَوْلاً} أي: لا يردد لهم جواباً: {وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً} أي: دفع ضرّ ولا جلب نفع، أي: فكيف يتخذ إلهاً؟.

.تفسير الآية رقم (90):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي} [90].
{وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ} أي: قبل رجوع موسى إليهم: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ} أي: ضللتم بعبادته: {وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي} في عبادته سبحانه، ونبذ العجل.

.تفسير الآيات (91- 93):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [91- 93].
{قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى قَالَ} أي: موسى: {يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ} أي: في الغضب لله، وشدة الزجر عن الكفر. ولا مزيدة. أو المعنى ما حملك على أن لا تتبعني، بحمل النقيض على النقيض. فإن المنع عن الشيء مستلزم للحمل على مقابله. أو ما منعك أن تلحقني وتخبرني بضلالهم، فتكون مفارقتك مزجرة لهم: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} وهو ما أمره به من أن يخلفه في قومه، ويصلح ما يراه فاسداً.

.تفسير الآية رقم (94):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} [94].
{قَالَ} أي: هارون: {يَا ابْنَ أُمَّ} بكسر الميم وفتحها. أراد أمي وذكرُها أعطف لقلبه: {لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي} أي: بشعره. وكان قبض عليهما يجره إليه من شدة غضبه: {إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ} أي: بتركهم لا راعي لهم: {وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} أي: لم تراعه في الاستخلاف والوجود بين ظهرانيهم.

.تفسير الآية رقم (95):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ} [95].
{قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ} أي: ثم أقبل على السامري وقال له منكراً: ما شأنك فيما صنعت؟ وما دعاك إليه؟.

.تفسير الآيات (96- 97):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً} [96- 97].
{قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} أي: فطنت لما لم يفطنوا له: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا} أي: في الحلي المذاب حتى حَيَّ: {وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} أي: حسّنته وزينته: {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ} أي: لعذابك: {مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً} أي: لنطيّرنّه رماداً في البحر، بحيث لا يبقى منه عين ولا أثر.
تنبيهات:
الأول: اعلم أن هارون عليه السلام، سلك في هذا الوعظ أحسن الوجوه. لأنه زجرهم عن الباطل، أوّلاً بقوله: {إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ} ثم دعاهم لمعرفة الله تعالى ثانياً بقوله: {وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ} ثم دعاهم ثالثاً إلى معرفة النبوة بقوله تعالى:: {فَاتَّبِعُونِي} ثم دعاهم إلى الشرائع رابعاً بقوله: {وَأَطِيعُوا أَمْرِي} وهذا هو الترتيب الجيّد. لأنه لابد قبل كل شيء في إماطة الأذى عن الطريق، وهو إزالة الشبهات. ثم معرفة الله تعالى، فإنها هي الأصل. ثم النبوة ثم الشريعة. فثبت أن هذا الترتيب على أحسن الوجوه. أفاده الرازي.
وقد برأ الله تعالى بهذه الآيات البينات، هارون عليه السلام مما افتراه عليه كتبة التوراة من أنه هو السامري الذي اتخذ العجل وأمر بعبادته، كما هو موجود عندهم. وهو من أعظم الفرى، بلا امترا.
الثاني: عامة المفسرين قالوا: المراد بالرسول في قوله تعالى: {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} هو جبريل عليه السلام. وأراد بأثره، التراب الذي أخذه من موضع حافر دابته. ثم اختلفوا: أن السامري متى رآه؟ فقيل: إنما رآه يوم فلق البحر. وقيل: وقت ذهابه بموسى إلى الطور.
واختلفوا أيضاً في: أن السامري كيف اختص برؤية جبريل عليه السلام، ومعرفته من بين سائر الناس؟ فقيل إنما عرفه لأنه رآه في صغره، وحفظه من قتل آل فرعون له، وكان ممن رباه. وكل هذا ليس عليه أثارة من علم ولا يدل عليه التنزيل الكريم. ولذا قال أبو مسلم الأصفهاني: ليس في القرآن تصريح بهذا الذي ذكره المفسرون. فههنا وجه آخر وهو: أن يكون المراد بالرسول موسى عليه السلام. وبأثره سنته ورسمه الذي أمر به، فقد يقول الرجل: فلان يقفو أثر ويقبض أثره، إذا كان يمتثل رسمه. والتقدير، أن موسى عليه السلام لما أقبل على السامري باللوم، والمسألة عن الأمر الذي دعاه إلى إضلال القوم في باب العجل، فقال: {بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} أي: عرفت أن الذي أنتم عليه ليس بحق، وقد كنت قبضت قبضة من أثرك أيها الرسول، أي: شيئاً من سنّتك ودينك. فقذفته، أي: طرحته. فعند ذلك أعلمه موسى عليه السلام بما له من العذاب في الدنيا والآخرة. وإنما أورد بلفظ الإخبار عن غائب، كما يقول الرجل لرئيسه وهو مواجه له: ما يقول الأمير في كذا؟ وبماذا يأمر الأمير؟.
وأما دعاؤه موسى عليه السلام رسولاً، مع جحده وكفره، فعلى مثل مذهب من حكى الله تعالى عنه قوله: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر: 6]، وإن لم يؤمنوا بالإنزال. انتهى.
قال الرازي: ما ذكره أبو مسلم أقرب إلى التحقيق مما ذكره المفسرون، لوجوه:
أحدها: أن جبريل عليه السلام ليس بمشهور باسم الرسول. ولم يجر له فيما تقدم ذكر، حتى تجعل لام التعريف إشارة إليه. فإطلاق لفظ الرسول لإرادة جبريل عليه السلام، كأنه تكليف بعلم الغيب.
وثانيها: أنه لابد فيه من الإضمار. وهو قبضة من أثر حافر فرس الرسول، والإضمار خلاف الأصل.
وثالثها: أنه لابد من التعسف في بيان أن السامري كيف اختص من بين جميع الناس برؤية جبريل عليه السلام ومعرفته؟ ثم كيف عرف أن لِتُرَابِ حافر فرسه هذا الأثر؟ والذي ذكروه من أن جبريل عليه السلام هو الذي رباه، فبعيد. لأن السامري، إن عرف جبريل حال كمال عقله، عرف قطعاً أن موسى عليه السلام نبيّ صادق. فكيف يحاول الإضلال؟ وإن كان ما عرفه حال بلوغ، فأي منفعة لكون جبريل عليه السلام مربياً له حال الطفولية، في حصول تلك المعرفة؟ انتهى.
التنبيه الثالث: في قوله: {لاَ مسَاسَ} وجوه:
أحدها: إني لا أَمَسُّ ولا أُمَسُّ.
وثانيها: المراد المنع من أن يخالط أحداً أو يخالطه أحد، عقوبة له.
ثالثها: ما ذكره أبو مسلم من أنه يجوز في حمله: ما أريد مسي النساءَ، فيكون من تعذيب الله إياه انقطاع نسله. فلا يكون له ولد يؤنسه، فيخليه الله تعالى من زينتي الدنيا اللتين ذكرهما بقوله: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46]، أي: لأن المسّ يكنى به عن النكاح كما في آية: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237]، والله أعلم.
ولما فرغ موسى عليه السلام من إبطال ما دعا إليه السامري، عاد إلى بيان الدين الحق، فقال:

.تفسير الآية رقم (98):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} [98].
{إِنَّمَا إِلَهُكُمُ} أي: المستحق للعبادة والتعظيم: {اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} أي: أحاط علمه كل شيء. ثم أشار تعالى إلى فضله، فيما قصه على خاتم رسله صلوات الله عليه، من أنباء الأنبياء، تنويهاً بشأنه، وزيادة في معجزاته، وتكثيراً للاعتبار والاستبصار في آياته، بقوله سبحانه: